فصل: من فوائد الماوردي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} قرأ ابن محيصن وابن قفال وأبو عمرو والأعمش وشبل: رسالته، على واحدة، وهي قراءة أصحاب عبد اللّه. الباقون جمع.
فإن قيل: فأي فائدة في قوله: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ولا يقال: كل من هذا الطعام وإن لم تأكل فما أكلته.
الجواب فيه ما سمعت فيه أبا القاسم بن جندب سمعت علي بن مهدي الطبري يقول: أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تبليغ ما أنزل إليك في الوقت والإتيان فيه.
حتى تكثر الشركة والعدة وإن لم يفعل على كل ما أوصى اللّه إليه واحكم اللّه أن حرّم بعضها لأنه كمن لم يبلغ لأن تركه إبلاغ البعض محيط لإبلاغ ما بلغ. كقوله: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ} [النساء: 150] الآية.
فاعلم أن إيمانهم بالبعض إلى بعضهم وأن كفرهم بالبعض يحيط الإيمان بالبعض. وحاشى لرسول اللّه أن يكتم شيئًا مما أوحى اللّه.
قالت العلماء: الدعوة بقراءة الصلاة إذ البعض ركن من أركانها.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن الأخدش يحكي عن الحسن ابن الفضل أنّه قال: معنى الآية بلغ ما أنزل إليك في الوقت حتى تكثر الشوكة والعدّة، ومن لم يفعل هذا كتب كمن لم يبلغ، وقيل: بلغ مجاهدًا محتسبًا صابرًا غير خائف، وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك إلى جميع الناس ولا تخاف.
وهذه من الحدود التي يدل مقام القطع عليه.
{والله يَعْصِمُكَ} يحفظك ويمنعك {مِنَ الناس} ووجه هذه الآية، وقد شجّ جبينه وكسُرت رباعيته وأوذي في عدة مواطن بضروب من الأذى، فالجواب أن معناها واللّه يعصمك منهم فلا يصلون إلى مثلك، وقيل: نزلت هذه الآية بعد ما شجّ جبينه وكسرت رباعيته لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
وقيل: معناه واللّه يعصمك يخصك بالعصمة من بين الناس لأنه كان نبي الوقت والنبي معصوم.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} عن عبد اللّه الحسين بن محمد الديلمي، محمد ابن إسحاق السبتي، أبو عروة، عمرو بن هشام، محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن أبي عبد الملك عن القاسم عن أبي أُمامة قال: كان رجل من بني هاشم يقال له ركانة وكان من أفتك الناس وأشدهم بأسًا وكان مشركًا وكان يرعى غنمًا له ويقال له أقسم فخرج نبي اللّه صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة ذات يوم متوجهًا قِبَل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس مع نبي اللّه أحد فقام إليه ركانه وقال: يا محمد أنت الذي تشتم الهتنا اللات والعزى وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم؟ ولولا رحم بيني وبينك ما كلمتك حتى أقتلك ولكن أدع الهك العزيز الحكيم يخلصك مني اليوم وسأعرض عليك أمرًا هل لك أن أصارعك وتدعو إلهك العزيز الحكيم يعينك عليّ وأنا أدعو اللات والعزى فإن أنت صرعتني فلك عشرة من غنمي وتختارها فقال عليه السلام: قم إن شئت واتخذ العهد ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة إلهه [اللات والعزى]- أن أعنّي اليوم على محمد فأخذه النبي عليه السلام فصرعه وجلس على صدره.
فقال ركانة: يا محمد قم فلست الذي فعلت هذا بي إنما إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى وما وضع أحد جنبي قبلك، فقال ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى ومن خيارها. فقام النبي عليه السلام ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا أول مرّة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم وجلس على كبده، فقال له ركانة: فلست أنت الذي فعلت فيّ هذا إنما فعله إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى وما وضع جنبي أحد قبلك، فقال له ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى تختارها فأخذ مني اللّه ودعا كل واحد منهما إلهه فصرعه نبي اللّه الثالثة، فقال له ركانة: لست أنت الذي فعلت بي هذا إنما فعله إلهك العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى فدونك ثلاثين شاة من غنمي فأخسرها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا أريد ذلك ولكن أدعوك إلى الإسلام وأركانه وأنفس بك أن تصير إلى النار، إنك إن تُسلم تسلم فقال له ركانة: ألا تريني آية، فقال له نبي اللّه عليه السلام اللّه شهيد عليك لئن أنا دعوت ربي عز وجل لهذا لتجيبني إلى ما دعوتك إليه؟ قال: نعم، وقريب منهما شجرة ذات فروع وقضبان فأشار نبي اللّه عليه السلام، فقال لها: أقبلي بإذن اللّه فانشقت إثنتين وأتت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وبين ركانة فقال له ركانة: أريتني عظيمًا، فمرها فلترجع، فقال عليه السلام اللّه شهيد عليك لئن أنا دعوت ربي عز وجل فأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما دعوتك إليه؟
قال: نعم، فأمرها النبي عليه السلام فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم، فقال له ركانة: فما لي ألاّ أكون أما أنا فقد رأيت عظيمًا، ولكني أكره أن يتحدث فينا أهل المدينة وفتيانهم فيّ إنما أجيبك لرعب دخل قلبي منك، ولكن قد علمت في أهل المدينة وصبيانهم إنه لم يوضع جنبي قط ولم يدخل قلبي رعب ساعة قط ليلًا ولا نهارًا فلك دونك فاختر غنمك، فقال عليه السلام: ليس في حاجة إلى غنمك إذ أبيت أن تسلم، فانطلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم راجعًا فأقبل أبو بكر وعمر يسألانه في بيت عائشة فأخبرتهما إنه قد توجه قِبَل وادي أضم وقد عرفا إنه وادي ركانة لا يخطيه، فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرفة ونظرا فإذا هما كذلك إذ نظر نبي اللّه عليه السلام مقبلًا، فقالا: يا نبي اللّه كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك وقد عرفت إنه جهة ركانة وإنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيبًا لك، فضحك إليهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أليس اللّه يقول: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} إنه لم يكن يصل إليّ واللّه معي» وأنشأ يحدثهما حديث ركانة والذي فعله به والذي أراه فعجبا من ذلك وقالا: يا رسول اللّه عرفت ركانة فلا والذي بعثك بالحق ما نعلم إنه وضع جنبيه إنسان قط، فقال عليه السلام: «إني دعوت ربي عز وجل فأعانني عليه، وإن ربي قال خذ عشرة لك وبقوة عشرة». اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الإسلام فجعلوا يستهزئون به ويقولون: إنك تريد أن نتخذك حَنَّانًا كما اتخذت النصارى عيسى عليه السلام، فلما رأى ذلك سكت عنهم.
فأمره الله أن يدعوهم ولا يمنعه عن ذلك تكذيبهم إياه فقال: {يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} يعني: من القرآن {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} إن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} يعني: كأنك لم تبلغ شيئًا من رسالته، لأنه أمر بتبليغ جميع الرسالة.
فإذا ترك البعض صار بمنزلة التارك للكل.
كما أن من جحد آية من كتاب الله تعالى صار جاحدًا للجميع، ويقال: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} يعني: فما بلغت المبلغ الذي تكون رسولًا وروى «سمرة بن جندب»، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمُ فَإنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مَنْ تَبْلِيغِ رِسَالاتِ رَبِّي فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ» فقام الناس، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك.
وروى مسروق عن عائشة قالت: من حَدّثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي، فقد كذب.
ثم قرأت {يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} الآية.
ثم قال: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} يعني: اليهود ويقال: كيد الكفار.
وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه بالليل، حتى نزلت هذه الآية فخرج إليهم وقال: «لا تَحْرُسُونِي فَإنَّ الله قَدْ عَصَمَنِي مِنَ النَّاسِ».
ثم قال: {إِنَّ الله يَهْدِي القوم الكافرين} يعني: لا يرشدهم إلى دينه، ويقال: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أُبَالِي مَنْ خَذَلَنِي مِنَ اليَهُودِ وَمَنْ نَصَرَنِي» قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر.
{فَمَا بَلَّغْتَ} بلفظ الجماعة.
وقرأ الباقون: {يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} بلفظ الواحد يغني عن الجماعة. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أوجب الله تعالى بهذه الآية على رسوله تبليغ ما أنزل عليه من كتابه سواء كان حكمًا، أو حدًا، أو قصاصًا، فأما تبليغ غيره من الوحي فتخصيص وجوبه: بما يتعلق بالأحكام دون غيرها.
ثم قال تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك فما بلغت رسالته لأنه [يكون]، غير ممتثل لجميع الأمر.
ويحتمل وجهين آخرين.
أحدهما: أن يكون معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك فيما وعدك من النصر، فإن لم تفعل فما بلغت حق رسالته فيما كلفك من الأمر، لأن استشعار النصر يبعث على امتثال الأمر.
والثاني: أن يكون معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك بلاغًا يوجب الانقياد إليه بالجهاد عليه، وإن لم تفعل ما يقود إليه من الجهاد عليه فما بلغت ما عليك من حق الرسالة إليك.
{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} يعني أن ينالوك بسوء من قتل أو غيره. واختلف أهل التفسير في سبب نزول ذلك على قولين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلًا في سفره واستظل بشجرة يقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط سيفه وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مَنَ النَّاسِ}، قاله محمد بن كعب القرظي.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهاب قريشًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، قاله ابن جريج.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة وقال: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فيه تأويلان:
أحدهما: لا يعينهم على بلوغ غرضهم.
الثاني: لا يهديهم إلى الجنة. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إِليك} ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت على أسباب، روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما بعثني الله برسالته، ضقت بها ذرعًا، وعرفت أن من الناس من يكذِّبني»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهابُ قريشًا واليهود والنصارى، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: لما نزلت {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إِليك من ربِّك} قال: «يا رب كيف أصنع؟ إِنما أنا وحدي يجتمع عليَّ الناس»، فأنزل الله: {وإِن لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس} وقال مقاتل: لما دعا اليهود، وأكثر عليهم، جعلوا يستهزؤون به، فسكت عنهم، فحُرِّض بهذه الآية.
وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحرَسُ فيرسل معه أبو طالب كلَّ يوم رجالًا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية، فقال: «يا عمّاه إِن الله قد عصمني من الجن والإِنس» وقال أبو هريرة: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجلٌ فأخذه، فقال: يا محمد من يمنعني منك؟ فقال: «الله»، فنزل قوله: {والله يعصمك من الناس}» قالت عائشة: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقلت ما شأنك؟ قال: ألا رجلٌ صالح يحرسني الليلة، فبينما نحن في ذلك إِذ سمعت صوت السّلاح، فقال: «من هذا»؟ فقال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت {والله يعصمك من الناس} فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال: «انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله تعالى» قال الزجاج: قوله: {بلِّغ ما أُنزل إِليك} معناه: بلغ جميع ما أُنزل إِليك، ولا تراقبن أحدًا، ولا تتركنَّ شيئًا منه مخافة أن ينالك مكروه، فإن تركت منه شيئًا، فما بلَّغت.